الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
هذه الثلاث الآيات هي التي سيدور عنها الحديث في هذا اللقاء المبارك إن شاء الله تعالى.ومبدئيا نقول:إن الإنسان وهو يسير إلى ربه لابد له منهج يسير عليه ولابد له من نفس الوقت من أئمة يقتدي بهم، وحتى يكون المسير إلى الله جل وعلا حقا على بينة وعلى صراط مستقيم لابد أن يكون المنهج من من؟مادمنا نعبد الله لابد أن يكون المنهج الذي نسير به إلى ربنا يكون من لدن ربنا وإلا لن نستقيم في السير على صراطه ولا في الطريق إليه.الأمر الثاني: ينبغي أن يكون القدوة والإمام الذي نضعه نصب أعيننا لابد أن يكون معصوما حتى لا تختلف علينا الأهواء والزيغ. ولا معصوم إلا أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.ولذلك عندما يكون الإنسان وهو يتحدث وهو يعمل وهو يقول وهو يفعل يحتج بفعل الأنبياء والمرسلين لا تجد لأحد طريقا عليه لأن الله جل وعلا عصم الأنبياء والمرسلين من الزيغ ومن الضلال فهم عليه الصلاة والسلام لا يصدرون من آرائهم إنما يصدرون من وحي الله جل وعلا إليهم، فإذا اجتهدوا في أمر ليس فيه وحي لا يقرهم الله جل وعلا على خطأ إذا أخطؤا.كما أن نبينا عليه الصلاة والسلام أعرض عن عبد الله بن مكتوم رضي الله عنه نزل القران يعاتبه: {عبس وتولى (1) أن جاءه الأعمى (2)}. أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون له أسرى يوم بدر واستشار أصحابه أنزل الله جل وعلا: {ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض} الأنفال 67. إلى غير ذلك من الدلائل التي لا تحتاج إلى كثير شواهد، وعظيم قرائن.المقصود قص الله جل وعلا في كتابه الكريم بعض من أخبار رسله وبعضا طواه عن نبينا صلى الله عليه وسلم وعنا.وفي الآيات التي تلوناها التي بين أيدينا التي هي موضوع درس اليوم يتكلم الله جل وعلا عن جملة من أنبياء الله ورسله ممن اصطفاهم الله وأنبأهم، وكل المذكورين في هذه الآية هم رسل وليسوا أنبياء فقط. بمعنى بعثوا إلى أقوام ودعوا إلى الله جل وعلا بشرع جديد.هؤلاء الرسل أوحى الله جل وعلا إليهم قال سبحانه: {إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده}.الوحي: هو الفارق الأعظم بين الأنبياء وبين المصلحين من البشر. نحن نعترف أن البشرية شهدت علماء ومصلحين وقادة عبر تاريخها الطويل في كل الأمم ولكن هؤلاء القادة والمصلحين والأئمة في أي ملة لن يسلموا من خطأ لأنهم غير موحى إليهم وليسوا بمعصومين، لكن أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين الوحي كفل لهم العصمة فهذا هو الفارق العظيم بين أنبياء الله ورسله وبين من شهدتهم البشرية عبر تاريخنا الطويل.نسمع بسقراط وأرسطو وغيرهم وأفلاطون في الحضارة اليونانية وغيرهم، نعم كان كثير منهم أجلاء فيهم عقل فيهم حكمه أسسوا حضارة لكنها لم تسلم ولن تسلم من زلل ما دامت جهدا بشريا. أما جهد أنبياء الله ورسله فهو فرقان ووحي ينزل من الله لا يقبل أنصاف الحلول لأنه {من لدن حكيم خبير} هود 1، قال الله جل وعلا في حق نبيه صلى الله عليه وسلم: {وما ينطق عن الهوى (3) إن هو إلا وحي يوحى (4)} النجم.نأتي لهؤلاء الأنبياء سنقف على مجمل سيرتهم عبر ما سردهم الله جل وعلا، منهم من مر معنا ومن مر معنا في دروس لاحقة لا حاجة للتكرار ومن لم يمر معنا سنقف عنده لنتبين بعض سيرة حياته وكيف نقتدي به، مع البيان الشافي أنهم جملة بعثوا بدين واحد وهذه أهم قضية ولذلك قال الله: {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا} البقرة 285.{إنا أوحينا} إن هذا كلام رب العزة. والنون للتعظيم نا الدالة على الفاعلين لتعظيم الرب جل جلاله، تسمع في الأوامر الملكية في السعودية مثلا: نحن فهد بن عبد العزيز ملك المملكة العربية السعودية ثم يأتي الأمر هذه نحن للجماعة لكنها تقال في السياق اللغوي للتعظيم. ويجوز إطلاقها على البشر ويجوز إطلاقها على الله، لكنها في حق الله بلا شك أعظم منها في حق البشر كما تقال فلان حكيم والله جل وعلا حكيم، لكن فرق ما بين حكمة العباد وحكمة رب العباد جل جلاله، إن اتفقا في المسمى لا يتفقان في دقائق الوصف.{إنا أوحينا إليك} وأوحينا الفعل أوحى كذلك أسند إلى نا الدالة على الفاعلين لبيان العظمة الإلهية.{أوحينا إليك} المخاطب هنا النبي صلى الله عليه وسلم نبينا محمد مع اليقين أنه عليه الصلاة والسلام آخر الأنبياء لكنه قدم هاهنا لعلو شرفه وجليل منزلته وعلى أنه أفضل الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين بلا شك.وحتى يستفيد الإنسان فالإنسان إذا خطب أو ألقى محاضرة أو أرد أن يقول درسا كطالب علم مثلا يحاضر أو شيء من هذا يقول: وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله آخر الأنبياء في الدنيا عصرا وأولهم يوم القيامة شأنا وذكرا.يقول: وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله آخر الأنبياء في الدنيا عصرا- من حيث الزمن هو آخر الأنبياء «أنا آخر النبيين وأنتم آخر الأمم»- آخر الأنبياء في الدنيا عصرا وأولهم يوم القيامة وأرفعهم شأنا وذكرا صلوات الله وسلامه عليه.{إنا أوحينا إليك} ثم جاء الله بكاف التشبيه كما أي كالذي {كما أوحينا} ثم ذكر الله جملة من الأنبياء على ما سيأتي بيانهم على التفصيل. {كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده} نوح عليه الصلاة والسلام أول رسل الله جل وعلا إلى الأرض، وقد أثنى الله جل وعلا عليه في القرآن وأسماه {عبدا شكورا} الإسراء 3. والأصل أن الله خلق الناس على فطرة واحدة منذ أن كان أبوهم آدم عليه السلام، مكثوا على هذا الحال كما يقول ابن عباس وجمهرة المؤرخين عشرة قرون ثم اجتالتهم الشياطين صرفتهم عن طاعة الله فبعث الله جل وعلا وأرسل أول ما أرسل أرسل إليهم من؟نوح عليه الصلاة والسلام والدليل على أنه أول الرسل ثابت في السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر قيام الناس وحديث الشفاعة قال: «إن الناس يأتون نوحا ويقولون يا نوح أنت أول رسل الله إلى الأرض وسماك الله في كتابه عبدا شكورا». فهو أول رسل الله إلى الأرض بالاتفاق، وهو أطول الأنبياء عمرا عاش ألفا وتزيد قيل إنها ألف ومائه وخمسين، وما ذكره الله جل وعلا في كتابه أن الله قال: {فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما} العنكبوت 14. هذا العمر الدعوي وليس عمر حياته كلها قول الله جل وعلا: {فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما} يدعو إلى الله بدليل أن الله قال بعدها: {فأخذهم الطوفان وهم ظالمون}. {فأخذهم الطوفان} و{فأنجيناه وأصحاب السفينة} هذه كلها دلالة على أن نوحا عاش بعد هذه المدة ويحسب معها المدة التي كانت قبل أن ينبأ صلوات الله وسلامه عليه، والمقصود أنه شيخ المرسلين وهو الأب الثاني للبشر بعد آدم والأب الأول للأنبياء صلوات الله وسلامه عليه.{إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده} ولم يذكر الله جل وعلا من النبيين الذين بعد نوح عليه الصلاة والسلام.ثم قال سبحانه: {وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان} بيان هؤلاء على النحو التالي:ذكر الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام وقد مرت معنا سيرته وهو الأب الثاني للأنبياء ويطلق عليه أبو الأنبياء من باب التجوز إذا أطلقت أبو الأنبياء يراد بها إبراهيم وإذا قيل شيخ الأنبياء يراد بها نوح عليهم الصلاة والسلام، وإذا قيل كليم الله يراد بها موسى مع أن الله كلم محمدا وكلم آدم لكن إذا قيل كليم الله تنصرف إلى موسى عليهم الصلاة والسلام، وإذا قيل شيخ المرسلين تنصرف إلى نوح لأنه الأب الأول للأنبياء ولأنه أطولهم عمرا، وإذا قيل أبو الأنبياء تنصرف إلى إبراهيم لأن إبراهيم ما بعده جميع الأنبياء كانوا من ذريته قال الله تعالى: {وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب} هذا يفيد الحصر إلا أنه يشكل أن لوطا ابن أخي إبراهيم عليهم الصلاة والسلام.{وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل} إسماعيل الابن الأكبر لمن؟ لإبراهيم من زوجته هاجر وهاجر كانت جارية عند من؟ عند سارة فجارية أمه وسارة حرة. لما لم تنجب سارة أهدت إبراهيم هاجر فلما ولدت إسماعيل أصابها ما يصيب النساء من الغيرة فما طاقت أن تمكث هي وسارة في مكان واحد، فهاجر إبراهيم بزوجته هاجر وابنه إسماعيل إلى واد غير ذي زرع أي إلى مكة ووضعها في مكة بأمر الله في القصة المشهورة ومضى عنهما، رجع إلى أين؟ رجع إلى مصر إلى زوجته سارة. لما رجع إلى سارة أنجبت له سارة إسحاق وجاء في الآية: {إبراهيم وإسماعيل وإسحاق}. فصار إسحاق الابن الثاني لمن؟ لإبراهيم.لما ترك إبراهيم إسماعيل في واد غير ذي زرع التي هي مكة اليوم تركه ولم يترك معهم إلا شيئا يسيرا من زاد وماء ثم فني الإثنان فلما فني الإثنان والقصة المشهورة أن بعثت ماء زمزم من تحت قدمي إسماعيل. وجود الماء يجلب القبائل جاءت قبيلة جرهم وهي قبيلة قحطانية من العرب العاربة تزوج منهم إسماعيل بعدما شب وبلغ مبلغ الرجال تزوج منهم، بعدما تزوج منهم ماتت أمه قبل أن يأتي أبوه ماتت أمه هاجر بعد أن تزوج من قبيلة جرهم ثم مكث ما شاء الله، جاء إبراهيم يبحث عن زوجته وابنه، لما جاء عرف أن الوالدة توفيت أي والدة إسماعيل، فسأل عن ابنه كان إسماعيل وقتها في الصيد فلما دخل على المرأة الجرهمية التي تزوجها إسماعيل في أول الأمر سألها عن إسماعيل قالت: خرج يصطاد لنا فسألها عن حالهم فذكرت شيئا عسيرا ولم تحسن الخطاب وقالت: نحن في ضيق وشدة كرب ولم تذكر شيئا حسنا فقال لها إذا جاء إسماعيل فأقرئيه مني السلام وقولي له: غير عتبة بابك. جاء إسماعيل من الصيد كأنه آنس شيئا، قال لزوجته: هل من خبر؟ أخبرته القصة رجل كبير أخذت تصف إبراهيم وهي لا تدري أنه والد إسماعيل. هل قال شيئا أخبرك بشيء؟ أخبرته بالقصة، قال: ذاك أبي وقد أمرني أن أطلقك فالحقي بأهلك فطلقها، ثم تزوج امرأة أخرى من نفس جرهم لأنه ما كان فيه قبيلة إلا جرهم، فلما تزوج وافق أن جاء إبراهيم بعدها بفترة وكان إسماعيل في الصيد فقابل المرأة الزوجة الجديدة سألها عن حالهم أين إسماعيل قالت: في الصيد سألها عن حالهم أخبرته بأنهم: بأحسن حال فدعا لهم بالبركة وقال: إذ جاء زوجك فأقرئيه مني السلام وقولي له ثبت عتبت بابك، لما جاء إسماعيل سأل زوجته وأخبرته الخبر قال: ذاك أبي وقد أمرني أن أبقي عليك، ثم جاء في المرة الثالثة وحصل ما حصل من بناء الكعبة.هذا من؟ هذا إسماعيل عليه الصلاة والسلام.حث الأبناء على الصلاة من هدي الأنبياء نعته الله جل وعلا في القرآن بأنه: {واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا (54) وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيا (55)} مريم. المقصود أن إسماعيل كان يحث أهله على الصلاة وهذا أعظم الفوائد في هدي الأنبياء.حث الأبناء على الصلاة من هدي من؟ من هدي الأنبياء هذه الغاية من ذكر الأنبياء. نأخذ من كل نبي الفائدة المرجوة. حث الأبناء على الصلاة من هدي الأنبياء. فالإنسان وهو يعمل يوقظ أهل بيته يتذكر هذه الآية يتلوها: {وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة} ويأمر أهله بالصلاة وينادي عل الملكين أن يكتباها له.إسحاق عليه الصلاة والسلام تكلمنا عنه وقلنا إنه والد يعقوب ويعقوب هو من؟ هو إسرائيل.{وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط} الأسباط أبناء يعقوب على الأظهر. اختلف فيهم: جمع سبط والأظهر أنهم أولاد يعقوب عليه الصلاة والسلام، إذا قلنا إنهم أولاد يعقوب فهم إخوة من؟ إخوة يوسف عليه الصلاة والسلام وقيل إن الأسباط في بني إسرائيل كالقبائل في العرب هذا أظهر ما قيل في أن الأسباط وهم أخوة يوسف تاب الله جلا وعلا عليهم وهناك أقوال غير ذلك.
|